لقد خلق الله للبشر حياتَيْن:
حياة فانية للعمل، وحياة خالدة للجزاء عن العمل،
فأمَّا حياة العمل فهي هذه الحياة الدنيا،
وأمَّا حياة الجزاء فهي تلك الدار الآخرة، حيث يكون الجزاء وفاقًا،
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾
[الزلزلة: 7 - 8].
وفي الحياة الدنيا جعل الله لنا عالمَيْن:
عالم غيبي فوق السموات، وعالم غيبي تحت الأرض؛
حياة فانية للعمل، وحياة خالدة للجزاء عن العمل،
فأمَّا حياة العمل فهي هذه الحياة الدنيا،
وأمَّا حياة الجزاء فهي تلك الدار الآخرة، حيث يكون الجزاء وفاقًا،
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾
[الزلزلة: 7 - 8].
وفي الحياة الدنيا جعل الله لنا عالمَيْن:
عالم غيبي فوق السموات، وعالم غيبي تحت الأرض؛
فأمَّا العالم الذي فوق السموات فتعرُج فيه الملائكة
والروح والأرواح إلى الله؛
﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
[فاطر: 10]،
وأمَّا العالم الذي تحت الأرض فيرقُد فيه البلايين
من موتى البشر منذ آدم
وحتى يبعث الله مَن في القبور، في عالمٍ برزخيٍّ قديم.
وبين السموات والأرض يَقِفُ المسلم مُفكِّرًا ومتأمِّلاً:
﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ ﴾
[آل عمران: 191].
تذكِّرنا السموات في علوِّها
وبُعدِها عن عيوننا بالدار الآخِرة الخالدة،
بينما تذكِّرنا الأرض في دُنوِّها وقُربها من أقدامنا
بمآل هذه الدنيا الفانية،
تُذكِّرنا أنَّ منازل القبور أقرب إلينا من منازل القمر،
وأنَّ بلوغ عَنان السماء إنما يبدأ من أغوار الأرض،
من ظُلمة القبر ووحشته، إنْ أردنا الوصول
إلى أنوار الجنَّة وأُنسها!
من هنا يأتي السؤال -
كيف أعيشُ كما يريد الله أنْ أعيش؟
كيف أعيش في دنيا العمل لأنالَ الثواب العظيم في دار الجزاء؟
والجواب
على هذا السؤال ينبع من معرفة السبب
الذي خلقنا الله – سبحانه وتعالى – لأجْله في هذه الحياة،
وهو: “عبادة الله – عزَّ وجلَّ”؛
كما قال – سبحانه -:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
[الذاريات: 56].
وقد اجتهد العلماء في تعريفهم لمعنى العبادة،
﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
[فاطر: 10]،
وأمَّا العالم الذي تحت الأرض فيرقُد فيه البلايين
من موتى البشر منذ آدم
وحتى يبعث الله مَن في القبور، في عالمٍ برزخيٍّ قديم.
وبين السموات والأرض يَقِفُ المسلم مُفكِّرًا ومتأمِّلاً:
﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ ﴾
[آل عمران: 191].
تذكِّرنا السموات في علوِّها
وبُعدِها عن عيوننا بالدار الآخِرة الخالدة،
بينما تذكِّرنا الأرض في دُنوِّها وقُربها من أقدامنا
بمآل هذه الدنيا الفانية،
تُذكِّرنا أنَّ منازل القبور أقرب إلينا من منازل القمر،
وأنَّ بلوغ عَنان السماء إنما يبدأ من أغوار الأرض،
من ظُلمة القبر ووحشته، إنْ أردنا الوصول
إلى أنوار الجنَّة وأُنسها!
من هنا يأتي السؤال -
كيف أعيشُ كما يريد الله أنْ أعيش؟
كيف أعيش في دنيا العمل لأنالَ الثواب العظيم في دار الجزاء؟
والجواب
على هذا السؤال ينبع من معرفة السبب
الذي خلقنا الله – سبحانه وتعالى – لأجْله في هذه الحياة،
وهو: “عبادة الله – عزَّ وجلَّ”؛
كما قال – سبحانه -:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
[الذاريات: 56].
وقد اجتهد العلماء في تعريفهم لمعنى العبادة،
فعرَّفها شيخ الإسلام ابن تيميَّة - قدَّس الله روحه – بقوله:
“العبادة هي:
اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يحبُّه الله ويَرضاه
من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة”.
يحبُّ الله الطاهرين والمتطهِّرين؛
الذين يُطهِّرون جوارحهم من الخطايا
والذنوب بالوضوء والتيمُّم،
الذين يُطهِّرون أدرانَ قلوبهم بالعفو والمغفرة،
وجهلَ عقولهم بالعلم والمعرفة،
وصحائفَ أعمالهم بالتسبيح والاستغفار.
يحبُّ الله البارِّين والمُحسِنين؛
((إنَّ الله كتب الإحسانَ على كلِّ شيء))؛
رواه مسلم،
كتَبَه على:
البشر والشجر والطير والحجر والمدر،
فلا يتعامَل المحسِنون إلاَّ بأجمل صور الإحسان،
وأرقى طرق التعامُل،
وأكمل أساليب الفضيلة،
وأفضل أعمال الخير، وأعلى منازل البر!
ويحبُّ الصابرين المصطبرين؛
﴿ فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ﴾
[مريم: 65]،
واصطبر عن مَعاصِيه، واصطبر على أقداره المؤلِمة،
اصطبر على المصائب الدنيويَّة من:
خوف وجوع، ونقصٍ في الأموال والأنفس
والثمرات، اصطبر على الوصَب والنصَب،
والهمِّ والحزن والأذَى، في الضرَّاء وحين البأس.
يحبُّ الله الأوَّابين والتوَّابين؛
((لَلهُ أشدُّ فرحًا بتوبة عبده من رجلٍ
حمل زاده ومزاده على بعيرٍ،
ثم سار حتى كان بفلاةٍ من الأرض فأدركَتْه القائلة،
فنزل فقال تحت شجرةٍ، فغلبَتْه عينه، وانسلَّ بعيرُه،
فاستيقظ فسعى شرفًا فلم يرَ شيئًا،
ثم سعى شرفًا ثانيًا فلم يرَ شيئًا،
ثم سعى شرفًا ثالثًا فلم يرَ شيئًا،
فأقبل حتى أتى مكانه الذي قال فيه،
فبينما هو قاعدٌ إذ جاءه بعيرُه يمشي حتى وضع خطامه في يده،
فلَلهُ أشدُّ فرحًا بتوبة العبد من هذا حين وجد بعيره على حاله))؛
متفق عليه وهذا لفظ مسلم.
ويحبُّ الأتْقياء والمتَّقين؛
الذين يجعَلُون الله من البال على كلِّ حال،
فلا يفعَلُون من خيرٍ إلا وهم يعلمون أنَّ الله مطَّلعٌ عليهم،
فيفعلونه على وجْه الكمال طلبًا للثواب،
وإنْ همُّوا بفعل شرٍّ تذكَّروا أنَّ الله يَراهم، فيترُكونه مخافةَ العِقاب،
سأل عمر كعبًا فقال له:
ما التقوى؟
فقال كعب: يا أمير المؤمنين،
أمَا سَلكتَ طريقًا فيه شوكٌ؟
قال: نعم، قال: فماذا فعلت؟ فقال عمر:
أُشمِّر عن ساقي، وأنظُر إلى مواضع قدمي،
وأُقدِّم قدمًا وأُؤخِّر أخرى مخافةَ أنْ تُصِيبني شوكةٌ،
فقال كعب: تلك هي التقوى”.
يحبُّ الله المحتَسِبين والمتوكِّلين؛
المفوِّضين كلَّ أمورِهم إلى الله
﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾
[النساء: 6]،
﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾
[النساء: 81]،
آخِذين بالسبب مُعتَمِدين على المسبِّب في استجلاب كلِّ منفعة،
ودفْع كل مضرَّة،
آيِسين من قُدرة الخلق باطمِئنانهم إلى مقدرة الخالق
– عزَّ وجلَّ.
ويحبُّ المجاهِدين والمرابِطين؛
﴿ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾
[الصف: 4]،
الذين يُجاهِدون الشيطان ومكايده ووساوسه
ولا يتَّبعون خُطواته؛
كيلا ينزغ بينهم وبين أحبَّتهم، ولا ينسيهم ذكرَ ربهم،
ولا يحزنهم، ولا يصدهم عن سبيل الحق أو يخرجهم من دينهم،
الذين يُجاهِدون أنفسهم بنهيها عن اتِّباع
الأهواء والشهوات والفتن ما ظهر منها وما بطن.
لكن من عباد الله مَن لم يعبد الله بأفعال الخير،
ولا بأداء الطاعات والفرائض،
وإنما بنطق كلمة التوحيد “لا إله إلا الله”
خالصةً من قلبه ثم قبض،
فأدخَلَه الله الجنة؛
((ما من عبدٍ قال: لا إله إلا الله،
ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة))؛
متفق عليه،
وهذا ما يجعلنا نقصر معنى العبادة
على مفهوم أكثر تحديدًا وأبسط تعريفًا للمسلم ولغير المسلم،
بتعريفنا للعبادة في ثلاث كلمات، هي:
إخلاص الدين لله.
وما دامت العبادة إخلاصًا لدِين لله،
فاعلمي أنَّ الإخلاص لا يتأتى إلا بالحب؛
فمَن أحبَّ شيئًا أخلص له، ومَن أحبَّ حبيبه أطاعه،
فليس يخلص للدِّين إلا مَن يحبُّ الله، ولا يحبُّ الله مَن لا يُطِيعه؛
فكيف يثبت محب الله حبه لله – عزَّ وجلَّ؟
يمتحن الله حبَّ المؤمنين له بتَصارِيف القدَر خيره وشره،
﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾
[الأنبياء: 35]،
فكلُّ خير في هذه الدنيا إنْ هو إلا فتنة،
وكلُّ شر فيها إنْ هو إلا بلاء ومحنة،
والمؤمن الحق مَن يُقابِل كلَّ خيرٍ أصابَه بالشُّكر،
وكلَّ شرٍّ أصابَه بالصبر؛
كما قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((عجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمره كله خير،
وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن؛
إنْ أصابَتْه سرَّاء شكر فكان خيرًا له،
وإنْ أصابَتْه ضرَّاء صبر فكان خيرًا له))؛
رواه مسلم.
أمَّا المدَّعِي حبَّ ربِّه فهو الذي يَكفُر بالخير والنِّعَمِ،
ويتسخَّط على الشر والنِّقَمِ؛
﴿ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾
[النمل: 40].
وما دُمنا مأمورين بعبادة الله حتى يأتينا الموت
فسنَبقَى في اختباراتٍ وابتلاءات حتى الموت،
وكما يُمتَحن قلب الذهب بالنار يُمتَحن قلب المؤمن بالفتن والابتلاء؛
﴿ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ﴾
[آل عمران: 154]،
فلا يظننّ عاقل أنَّ هذه النِّعَم ثواب دائمًا،
ولا يحسبنَّ أنَّ الابتلاءات عقاب دائمًا؛
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ
فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ *
وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
[الفجر: 15 - 16].
يريدُنا الله – أنْ نعيش للآخِرة، فلا تُغرِينا الدنيا وزينتها،
ولا يلهينا التفاخُر بالأنساب ولا التكاثُر في الأموال والأولاد،
ولا تفتنَّا الشهوات والشُّبهات عن العمل للآخِرة،
العمل لما بعد الموت حيث لا موت؛
حيث
((يُقال لأهل الجنَّة: يا أهل الجنة، خلودٌ لا موت،
ولأهل النار:
يا أهل النار، خلودٌ لا موت))؛
متفق عليه.
يريدُنا الله أنْ نتوجَّه بكلِّ مقاصدنا وحوائجنا
وغاياتنا ونيَّاتنا له وحدَه،
فلا نحبُّ حين نحبُّ إلا في الله،
ولا نبغض حين نبغض إلا في الله،
ولا نعمل العملَ حين نعمله إلا ابتغاء وجه ربنا الأعلى،
ولا نترك العمل حين نتركه إلا ابتغاء مرضاة ربنا،
محتسبين الأجرَ والمثوبة من الله وحدَه،
لا نريد جزاءً ولا شُكورًا ولا شُهرة،
ولا نيل حظوة ولا بلوغ منزلة،
متحمِّلين نكد الدنيا وأذى الناس وآلامَ القدر بصبرٍ صادقٍ لله،
وبالله، وعلى الله ربِّ العالمين.
بهذا تتحقَّق العبوديَّة،
ومتى ما تحقَّقت العبوديَّة
عشْنا في هذه الدنيا بنفوسٍ كبيرة
ترى الدنيا أصغرَ من الذباب وأحقر،
وعقول واعية مستنيرة تُدرِك
أنَّ الدنيا طريقٌ للعبور والطُّرُقُ لا تُعمَّر،
وقلوب خاشعة مطمئنة راضية بالقضاء مسلِّمة للقدَر،
وروح سامية تسمو فوق رغبات الجسد،
راغبة في التسنيم والسلسبيل
ونهر الكوثر.
ووقتئذٍ يطيبُ للمؤمن العيشُ في هذه الدنيا،
كما يَطِيب له فراقُها بنفسٍ مطمئنَّة بحسن مآلها،
حين يُنادِيها بارِئُها:
﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *
ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً *
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾
[الفجر: 27 - 30].
اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يحبُّه الله ويَرضاه
من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة”.
يحبُّ الله الطاهرين والمتطهِّرين؛
الذين يُطهِّرون جوارحهم من الخطايا
والذنوب بالوضوء والتيمُّم،
الذين يُطهِّرون أدرانَ قلوبهم بالعفو والمغفرة،
وجهلَ عقولهم بالعلم والمعرفة،
وصحائفَ أعمالهم بالتسبيح والاستغفار.
يحبُّ الله البارِّين والمُحسِنين؛
((إنَّ الله كتب الإحسانَ على كلِّ شيء))؛
رواه مسلم،
كتَبَه على:
البشر والشجر والطير والحجر والمدر،
فلا يتعامَل المحسِنون إلاَّ بأجمل صور الإحسان،
وأرقى طرق التعامُل،
وأكمل أساليب الفضيلة،
وأفضل أعمال الخير، وأعلى منازل البر!
ويحبُّ الصابرين المصطبرين؛
﴿ فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ﴾
[مريم: 65]،
واصطبر عن مَعاصِيه، واصطبر على أقداره المؤلِمة،
اصطبر على المصائب الدنيويَّة من:
خوف وجوع، ونقصٍ في الأموال والأنفس
والثمرات، اصطبر على الوصَب والنصَب،
والهمِّ والحزن والأذَى، في الضرَّاء وحين البأس.
يحبُّ الله الأوَّابين والتوَّابين؛
((لَلهُ أشدُّ فرحًا بتوبة عبده من رجلٍ
حمل زاده ومزاده على بعيرٍ،
ثم سار حتى كان بفلاةٍ من الأرض فأدركَتْه القائلة،
فنزل فقال تحت شجرةٍ، فغلبَتْه عينه، وانسلَّ بعيرُه،
فاستيقظ فسعى شرفًا فلم يرَ شيئًا،
ثم سعى شرفًا ثانيًا فلم يرَ شيئًا،
ثم سعى شرفًا ثالثًا فلم يرَ شيئًا،
فأقبل حتى أتى مكانه الذي قال فيه،
فبينما هو قاعدٌ إذ جاءه بعيرُه يمشي حتى وضع خطامه في يده،
فلَلهُ أشدُّ فرحًا بتوبة العبد من هذا حين وجد بعيره على حاله))؛
متفق عليه وهذا لفظ مسلم.
ويحبُّ الأتْقياء والمتَّقين؛
الذين يجعَلُون الله من البال على كلِّ حال،
فلا يفعَلُون من خيرٍ إلا وهم يعلمون أنَّ الله مطَّلعٌ عليهم،
فيفعلونه على وجْه الكمال طلبًا للثواب،
وإنْ همُّوا بفعل شرٍّ تذكَّروا أنَّ الله يَراهم، فيترُكونه مخافةَ العِقاب،
سأل عمر كعبًا فقال له:
ما التقوى؟
فقال كعب: يا أمير المؤمنين،
أمَا سَلكتَ طريقًا فيه شوكٌ؟
قال: نعم، قال: فماذا فعلت؟ فقال عمر:
أُشمِّر عن ساقي، وأنظُر إلى مواضع قدمي،
وأُقدِّم قدمًا وأُؤخِّر أخرى مخافةَ أنْ تُصِيبني شوكةٌ،
فقال كعب: تلك هي التقوى”.
يحبُّ الله المحتَسِبين والمتوكِّلين؛
المفوِّضين كلَّ أمورِهم إلى الله
﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾
[النساء: 6]،
﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾
[النساء: 81]،
آخِذين بالسبب مُعتَمِدين على المسبِّب في استجلاب كلِّ منفعة،
ودفْع كل مضرَّة،
آيِسين من قُدرة الخلق باطمِئنانهم إلى مقدرة الخالق
– عزَّ وجلَّ.
ويحبُّ المجاهِدين والمرابِطين؛
﴿ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾
[الصف: 4]،
الذين يُجاهِدون الشيطان ومكايده ووساوسه
ولا يتَّبعون خُطواته؛
كيلا ينزغ بينهم وبين أحبَّتهم، ولا ينسيهم ذكرَ ربهم،
ولا يحزنهم، ولا يصدهم عن سبيل الحق أو يخرجهم من دينهم،
الذين يُجاهِدون أنفسهم بنهيها عن اتِّباع
الأهواء والشهوات والفتن ما ظهر منها وما بطن.
لكن من عباد الله مَن لم يعبد الله بأفعال الخير،
ولا بأداء الطاعات والفرائض،
وإنما بنطق كلمة التوحيد “لا إله إلا الله”
خالصةً من قلبه ثم قبض،
فأدخَلَه الله الجنة؛
((ما من عبدٍ قال: لا إله إلا الله،
ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة))؛
متفق عليه،
وهذا ما يجعلنا نقصر معنى العبادة
على مفهوم أكثر تحديدًا وأبسط تعريفًا للمسلم ولغير المسلم،
بتعريفنا للعبادة في ثلاث كلمات، هي:
إخلاص الدين لله.
وما دامت العبادة إخلاصًا لدِين لله،
فاعلمي أنَّ الإخلاص لا يتأتى إلا بالحب؛
فمَن أحبَّ شيئًا أخلص له، ومَن أحبَّ حبيبه أطاعه،
فليس يخلص للدِّين إلا مَن يحبُّ الله، ولا يحبُّ الله مَن لا يُطِيعه؛
فكيف يثبت محب الله حبه لله – عزَّ وجلَّ؟
يمتحن الله حبَّ المؤمنين له بتَصارِيف القدَر خيره وشره،
﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾
[الأنبياء: 35]،
فكلُّ خير في هذه الدنيا إنْ هو إلا فتنة،
وكلُّ شر فيها إنْ هو إلا بلاء ومحنة،
والمؤمن الحق مَن يُقابِل كلَّ خيرٍ أصابَه بالشُّكر،
وكلَّ شرٍّ أصابَه بالصبر؛
كما قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((عجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمره كله خير،
وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن؛
إنْ أصابَتْه سرَّاء شكر فكان خيرًا له،
وإنْ أصابَتْه ضرَّاء صبر فكان خيرًا له))؛
رواه مسلم.
أمَّا المدَّعِي حبَّ ربِّه فهو الذي يَكفُر بالخير والنِّعَمِ،
ويتسخَّط على الشر والنِّقَمِ؛
﴿ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾
[النمل: 40].
وما دُمنا مأمورين بعبادة الله حتى يأتينا الموت
فسنَبقَى في اختباراتٍ وابتلاءات حتى الموت،
وكما يُمتَحن قلب الذهب بالنار يُمتَحن قلب المؤمن بالفتن والابتلاء؛
﴿ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ﴾
[آل عمران: 154]،
فلا يظننّ عاقل أنَّ هذه النِّعَم ثواب دائمًا،
ولا يحسبنَّ أنَّ الابتلاءات عقاب دائمًا؛
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ
فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ *
وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
[الفجر: 15 - 16].
يريدُنا الله – أنْ نعيش للآخِرة، فلا تُغرِينا الدنيا وزينتها،
ولا يلهينا التفاخُر بالأنساب ولا التكاثُر في الأموال والأولاد،
ولا تفتنَّا الشهوات والشُّبهات عن العمل للآخِرة،
العمل لما بعد الموت حيث لا موت؛
حيث
((يُقال لأهل الجنَّة: يا أهل الجنة، خلودٌ لا موت،
ولأهل النار:
يا أهل النار، خلودٌ لا موت))؛
متفق عليه.
يريدُنا الله أنْ نتوجَّه بكلِّ مقاصدنا وحوائجنا
وغاياتنا ونيَّاتنا له وحدَه،
فلا نحبُّ حين نحبُّ إلا في الله،
ولا نبغض حين نبغض إلا في الله،
ولا نعمل العملَ حين نعمله إلا ابتغاء وجه ربنا الأعلى،
ولا نترك العمل حين نتركه إلا ابتغاء مرضاة ربنا،
محتسبين الأجرَ والمثوبة من الله وحدَه،
لا نريد جزاءً ولا شُكورًا ولا شُهرة،
ولا نيل حظوة ولا بلوغ منزلة،
متحمِّلين نكد الدنيا وأذى الناس وآلامَ القدر بصبرٍ صادقٍ لله،
وبالله، وعلى الله ربِّ العالمين.
بهذا تتحقَّق العبوديَّة،
ومتى ما تحقَّقت العبوديَّة
عشْنا في هذه الدنيا بنفوسٍ كبيرة
ترى الدنيا أصغرَ من الذباب وأحقر،
وعقول واعية مستنيرة تُدرِك
أنَّ الدنيا طريقٌ للعبور والطُّرُقُ لا تُعمَّر،
وقلوب خاشعة مطمئنة راضية بالقضاء مسلِّمة للقدَر،
وروح سامية تسمو فوق رغبات الجسد،
راغبة في التسنيم والسلسبيل
ونهر الكوثر.
ووقتئذٍ يطيبُ للمؤمن العيشُ في هذه الدنيا،
كما يَطِيب له فراقُها بنفسٍ مطمئنَّة بحسن مآلها،
حين يُنادِيها بارِئُها:
﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *
ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً *
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾
[الفجر: 27 - 30].
الإثنين فبراير 27, 2012 4:33 pm من طرف prnsjo
» من أجمل ما قرآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآت
الإثنين فبراير 27, 2012 4:30 pm من طرف prnsjo
» كم منا يريد ان يرى المصطفى فى منامه
الجمعة فبراير 24, 2012 5:11 pm من طرف prnsjo
» كيف نعشق الصلاة
الجمعة فبراير 24, 2012 5:06 pm من طرف prnsjo
» نكت 2012
الجمعة فبراير 17, 2012 1:59 am من طرف Biso_basim
» نكت جامده جدا
الجمعة فبراير 17, 2012 1:52 am من طرف Biso_basim
» اجمل و اجمد و اروش نكت
الجمعة فبراير 17, 2012 1:42 am من طرف Biso_basim
» نكت بخلاء
الجمعة فبراير 17, 2012 1:40 am من طرف Biso_basim